كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال ابن عربي في كلامه على الأولين‏:‏ إنما نالوا هذه المرتبة عند اللّه لأنهم صانوا قلوبهم أن يدخلها غير اللّه أو تتعلق بكون من الأكوان سوى اللّه فليس لهم جلوس إلا مع اللّه ولا حديث إلا مع اللّه فهم في اللّه قائمون وفي اللّه ناظرون وإليه داخلون ومنقلبون وعنه ناطقون ومنه آخذون وعليه متوكلون وعنده قاطنون فما لهم معروف سواه ولا مشهود إلا إياه صانوا نفوسهم عن نفوسهم فلا تعرفهم نفوسهم فهم في غيابات الغيب المحجوبون وهم ضنائن الحق المستخلصون يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق مشي ستر كله حجاب فهذا حال هذه الطائفة‏.‏

- ‏(‏حم ق‏)‏ في التفسير وغيره ‏(‏ت‏)‏ في صفة النار ‏(‏ن‏)‏ في التفسير ‏(‏ه‏)‏ في الزهد ‏(‏عن حارثة بن وهب الخزاعي‏)‏ أخي عبد اللّه بن عمر لأمه، قيل هو الذي استطول صلاة معاذ فانصرف وفي الباب أبو هريرة وابن عمر وغيرهما‏.‏

2857 - ‏(‏ألا أخبركم بخيركم من شركم‏)‏ قال الطيبي‏:‏ من شركم حال أي أخبركم بخيركم مميزاً من شركم اهـ والمراد أخبركم بما يميز بين الفريقين قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره‏)‏ أي من يؤمّل الناس الخير من جهته ويأمنون الشر من جهته ‏(‏وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره‏)‏ أي وشركم من لا يؤمّل الناس حصول الخير لهم من جهته ولا يأمنون من شره‏.‏ قال الطيبي‏:‏ التقسيم العقلي يقتضي أربعة أقسام ذكر قسمين ترغيباً وترهيباً وترك الآخرين إذ لا ترغيب ولا ترهيب فيهما‏.‏ قال الماوردي‏:‏ يشير بهذا الحديث إلى أن عدل الإنسان مع أكفائه واجب وذلك يكون بثلاثة أشياء ترك الاستطالة ومجانبة الإذلال وكف الأذى لأن ترك الاستطالة آلف ومجانبة الإذلال أعطف وكف الأذى أنصف‏.‏ وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء ففسدوا وأفسدوا، إلى هنا كلامه‏.‏

- ‏(‏حم ت حب عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ وقف النبي صلى اللّه عليه وسلم على ناس جلوس فقال‏:‏ ألا أخبركم بخيركم من شركم فسكتوا فقال ثلاثاً فقال له رجل‏:‏ يا رسول اللّه أخبرنا فذكره لما توهموا معنى التمييز تخوفوا من الفضيحة فسكتوا حتى قالها ثلاثاً فأبرز البيان في معرض العموم لئلا يفتضحوا قال الذهبي في المهذب‏:‏ سنده جيد وفي الباب أنس وغيره‏.‏

2858 - ‏(‏ألا أخبركم بخير الناس‏)‏ أي بمن هو من خير الناس إذ ليس الغازي أفضل من جميع الناس مطلقاً وكذا قوله ‏(‏وشر الناس‏)‏ إذ الكافر شر منه ‏(‏إن من خير الناس رجلاً عمل في سبيل اللّه عز وجل‏)‏ أي جاهد الكفار لإعلاء كلمة اللّه ‏(‏على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره‏)‏ أي راكباً على واحد منهما وخصهما لأنهما مراكب العرب غالباً إن لم يكن دائماً فالراكب على بغل أو برذون أو حمار أو فيل في الفضل المذكور كذلك ‏(‏أو على ظهر قدميه‏)‏ أي ماشياً على قدميه ولفظ الظهر مقحم ويستمر ملازماً على ذلك ‏(‏حتى يأتيه الموت‏)‏ بالقتل في سبيل اللّه أو بغيره ‏(‏وإن من شر الناس رجلاً فاجراً‏)‏ أي منبعثاً في المعاصي ‏(‏جريئاً‏)‏ بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءة مثل ضخم ضخامة ‏[‏ص 103‏]‏ والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير توقف والمراد هنا هجام قوي الإقدام ‏(‏يقرأ كتاب اللّه‏)‏ القرآن ‏(‏لا يرعوى‏)‏ أي لا ينكف ولا ينزجر ‏(‏إلى شيء منه‏)‏ أي من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده‏.‏

قد أشار هذا الخبر وما قبله إلى أن من الناس من هو خير بالطبع ومنهم من هو شر بالطبع أو ومنهم متوسط وجرى عليه طائفة مستدلين له بهذا الحديث ونحوه‏.‏ وقال قوم‏:‏ الناس يخلقون أخياراً بالطبع ثم يصيرون أشراراً بمجالسة أهل الشره والميل إلى الشهوات الرديئة التي لا تنقمع بالتأديب واستدلوا بخبر كل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون‏:‏ الناس خلقوا من الطينة السفلى وهي كدر العالم فمنهم باعتبار ذلك أشرار بالطبع لكن فيهم أخيار بالتأديب ومنهم من لا ينتقل عن الشر مطلقاً واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏}‏ قال في الفردوس‏:‏ الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له‏.‏

- ‏(‏حم ن ك عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب عام تبوك وهو مسند ظهره إلى راحلته فذكره‏.‏

2859 - ‏(‏ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن‏)‏ قالوا‏:‏ أخبرنا قال‏:‏ ‏(‏الصمت‏)‏ أي الإمساك عن الكلام فيما لا يعنيك ‏(‏وحسن الخلق‏)‏ بالضم أي مع الناس ومن ثم قال الداراني‏:‏ المعرفة إلى السكوت أقرب منها إلى الكلام وروي أن عيسى عليه السلام قام خطيباً فقال‏:‏ يا بني إسرائيل لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم والأمور ثلاثة‏:‏ أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردّوه إلى اللّه تعالى‏.‏ قال الماوردي‏:‏ وهذا الحديث جامع لآداب العدل في الأحوال كلها‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب فضل ‏(‏الصمت عن صفوان بن سليم‏)‏ بضم المهملة وفتح اللام الزهري الإمام القدوة ‏(‏مرسلاً‏)‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسنداً وهو عجيب فقد خرًّجه أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في طبقات المحدثين عن أبي ذر وأبي الدرداء مرفوعاً وسنده ضعيف فإن قلت‏:‏ إنما عدل للمرسل لأن سنده أمثل قلت‏:‏ كان عليه الجمع بينهما كما هو عادته كغيره في مثله في هذا الكتاب وغيره‏.‏

2860 - ‏(‏ألا أخبركم عن الأجود‏)‏ أي الأكرم والأسمح قالوا‏:‏ بلى أخبرنا قالأ‏:‏ ‏(‏اللّه الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم‏)‏ لأنه بث علوم الشريعة مع البيان والتعليم وأرشد السالكين إلى الصراط المستقيم وما سئل في شيء قط وقال لا وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ‏(‏وأجودهم من بعدي رجل علم علماً‏)‏ من علوم الشرع ‏(‏فنشر علمه‏)‏ أي بثه لمستحقيه ولم يبخل به ‏(‏يبعث يوم القيامة أمة وحده‏)‏ قال في الفردوس‏:‏ الأمّة ههنا هو الرجل الواحد المعلم للخير المنفرد به ‏(‏ورجل جاد بنفسه في سبيل اللّه حتى يقتل‏)‏ أو ينتصر‏.‏ قال ابن رجب‏:‏ دل هذا على أن المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم أجود ‏[‏ص 104‏]‏ الآدميين على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه للّه في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم‏.‏

- ‏(‏ع عن أنس‏)‏ قال المنذري‏:‏ ضعيف وقال الهيثمي وغيره‏:‏ فيه سويد بن عبد العزيز وهو متروك الحديث اهـ‏.‏ وأخرجه ابن حبان عن مكحول عن محمد بن هاشم عن سويد بن عبد العزيز عن نوح بن ذكوان عن أخيه عن الحسن عن أنس بلفظ ألا أخبركم بأجود الأجودين قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ فإن اللّه تعالى أجود الأجودين وأنا أجود ولد آدم وأجودهم من بعدي رجل علم علماً فنشر علمه فيبعث يوم القيامة أمّة وحده كما يبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم أمّة وحده اهـ‏.‏ وأورده الجوزي من حديث ابن حبان هذا ثم حكم بوضعه وقال‏:‏ قال ابن حبان‏:‏ منكر باطل وأيوب منكر الحديث وكذا نوح ولم يتعقبه المؤلف سوى بأن أبا يعلى أخرجه ولم يزد على ذلك‏.‏

2861 - ‏(‏ألا أخبركم بشيء‏)‏ يعني بدعاء بديع نافع للكرب والبلاء ‏(‏إذا نزل برجل‏)‏ يعني بإنسان وذكر الرجل وصف طردي وإنما ذكره لأن غالب البلايا والمحن إنما تقع للرجال قال‏:‏

كتبت القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول

‏(‏كرب‏)‏ أي مشقة وجهد والكرب الغم الذي يأخذ بالنفس كما في الصحاح وغيره ‏(‏أو بلاء‏)‏ بالفتح والمد محنة ‏(‏من أمر الدنيا دعا به‏)‏ اللّه تعالى ‏(‏فيفرج عنه‏)‏ أي يكشف غمه قال الأزهري وغيره فرج اللّه الغم بالتشديد كشفه قالوا‏:‏ بلى أخبرنا قال‏:‏ ‏(‏دعاء ذي النون‏)‏ أي صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه السلام حين التقمه الحوت فنادى في الظلمات ‏(‏لا إله إلا أنت‏)‏ أي ما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك ‏(‏سبحانك‏)‏ تنزيه عن كل النقائص ومنها العجز وإنما قاله لأن تقديره سبحانك مأجوراً أو شهوة للانتقام أو عجزاً عن تخليصي مما أنا فيه بل فعلته بحكم الإلهية وبقتضى الحكمة ‏(‏إني كنت من الظالمين‏)‏ يعني ظلمت نفسي كأنه قال إني كنت من الظالمين وأنا الآن من التائبين لضعف البشرية والقصور في أداء حق العبودية وهذا القدر كاف في السؤال‏.‏ قال المتنبي‏:‏

وفي النفس حاجات وفيك فطانة * سكوتي كلام عندها وخطاب

وإنما كان هذا الدعاء منجياً من الكرب والبلاء لإقرار الإنسان فيه على نفسه بالظلم‏.‏ قال الحسن‏:‏ ما نجى يونس واللّه إلا لإقراره على نفسه بالظلم‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الفرج‏)‏ بعد الشدة ‏(‏ك عن سعد‏)‏ ابن أبي وقاص‏.‏

2862 - ‏(‏ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها‏)‏ أي فخمها وبجالتها وفي الصحاح التعظيم التبجيل والتفخيم ‏(‏ما بين السماء والأرض ولكاتبها‏)‏ في مصحف أو لوح أو تميمة ‏(‏من الأجر مثل ذلك‏)‏ أي ثواباً عظيماً يملأ ما بين السماء والأرض لو جسم ‏(‏ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بين الجمعة والجمعة الأخرى‏)‏ أي الصغائر الواقعة من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة التي بعدها ‏(‏وزيادة ثلاثة أيام ومن قرأ‏)‏ الآيات ‏(‏الخمس الأواخر منها عند نومه‏)‏ أي عند إرادته النوم ‏(‏بعثه اللّه‏)‏ أي أهبه ‏(‏أيَّ الليل شاء‏)‏ قالوا‏:‏ بلى أخبرنا بها قال‏:‏ ‏(‏سورة أصحاب الكهف‏)‏ قال الحافظ ابن حجر‏:‏ وذكر أبو عبيد أنه وقع في رواية شعبة زيادة كما أنزلت عقب قوله ومن قرأها وأوله على أن المراد أن يقرأها بجميع وجوه القراءات قال‏:‏ وفي تأويله ‏[‏ص 105‏]‏ نظر والمتبادر أن المراد يقرؤها كلها بغير نقص حساً ولا معنى وقد يشكل بما رود من زيادة أحرف ليست من المشهورة كـ ‏"‏سفينة صالحة‏"‏ ونحو ‏"‏وأما الغلام فكان كافراً‏"‏ أو يجاب بأن المراد المتعبد بتلاوته‏.‏

- ‏(‏ابن مردويه‏)‏ في التفسير ‏(‏عن عائشة‏)‏ ورواه عنها أيضاً أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ وابن جرير وأبو نعيم والديلمي وغيرهم باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ابن مردويه غير سديد لإيهامه وروي من طرق أخرى عن ابن الضريس وغيره لكن بعضها كما قال الحافظ ابن حجر في أماليه معضل وبعضها مرسل‏.‏

2863 - ‏(‏ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار‏)‏ أي دخول نار جهنم ‏(‏غداً‏)‏ أي يوم القيامة وأصل الغد اليوم الذي بعد يومك على أثره ثم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد المترقب قالوا‏:‏ أخبرنا قال‏:‏ ‏(‏على كل هين‏)‏ مخففاً من الهون بفتح الهاء وهو السكينة والوقار ‏(‏لين‏)‏ مخفف لين بالتشديد على فعيل من اللين ضد الخشونة قيل‏:‏ يطلق على الإنسان بالتخفيف وعلى غيره على الأصل قال ابن الأعرابي‏:‏ يمدح بهما مخففين ويذم بهما مثقلين ‏(‏قريب‏)‏ أي إلى الناس ‏(‏سهل‏)‏ يقضي حوائجهم وينقاد للشارع في أمره ونهيه‏.‏ قال الماوردي‏:‏ بين بهذا الحديث أن حسن الخلق يدخل صاحبه الجنة ويحرمه على النار فإن حسن الخلق عبارة عن كون الإنسان سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلمة كما سبق لكن لهذه الأوصاف حدود مقدرة في مواضع مستحقة فإن تجاوز بها الخير صارت ملقاً وإن عدل بها عن مواضعها صارت نفاقاً والملق ذل والنفاق لؤم‏.‏

- ‏(‏ع عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه ‏(‏ت‏)‏ في الزهد وقال‏:‏ حسن غريب ‏(‏طب‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ بعد ما عزاه لأبي يعلى فيه عبد اللّه بن مصعب الزبيري ضعيف وقال عقب عزوه للطبراني‏:‏ رجاله رجال الصحيح وقال العلائي‏:‏ سند هذا أقوى من الأول انتهى‏.‏

2864 - ‏(‏ألا أخبركم بخير الشهداء‏)‏ جمع شهيد قالوا‏:‏ أخبرنا قال‏:‏ ‏(‏الذي يأتي بشهادته‏)‏ أي يشهد عند الحاكم ‏(‏قبل أن يسألها‏)‏ بالبناء للمجهول أي قبل أن يطلب منه المشهود له الأداء أو فسره مالك بمن عنده شهادة الإنسان لا يعلمها فيخبره أنه شاهد وحمله غيره على شهادة الحسبة فيما تقبل فيه فلا ينافي خبر شر الشهود من شهد قبل أن يستشهد لأنه في غير ذلك‏.‏

- ‏(‏مالك حم م د‏)‏ في القضاء ‏(‏ت‏)‏ في الشهادات ‏(‏عن زيد بن خالد الجهني‏)‏ بضم الجيم وفتح الهاء صحابي مشهور ولم يخرجه البخاري‏.‏

2865 - ‏(‏ألا أخبركم بصلاة المنافق‏)‏ قالوا‏:‏ أخبرنا قال‏:‏ ‏(‏أن يؤخر‏)‏ العصر أي صلاته ‏(‏حتى إذا كانت الشمس‏)‏ صفراء ‏(‏كثرب البقرة‏)‏ بمثلثة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة أي شحمها الرقيق الذي يغشى الكرش شبه به تفرق الشمس عند المغيب ومصيرها في موضع دون موضع -‏[‏أي تتفرق صورتها كتفرق الشحم الذي حول الكرش‏.‏ دار الحديث‏]‏- ‏(‏صلاها‏)‏ أي يؤخرها إلى ذلك الوقت تهاوناً بها ويصليها فيه ليدفع عنه الاعتراض ومقصود الحديث أن ذلك من علامات النفاق وخصت لكونها الصلاة الوسطى عند الجمهور فمن تهاون بها تهاون بغيرها بالأولى‏.‏

قال العارف ابن عربي‏:‏ اصفرار الشمس تغيير يطرأ على نور الشمس في عين الرائي من الجزء الأرضي ‏[‏ص 106‏]‏ الحائل بين العين وبين إدراك خالص النور والنور في نفسه لا يصفر ولا يتغير‏.‏

- ‏(‏قط ك‏)‏ في الصلاة ‏(‏عن رافع بن خديج‏)‏ قال الحاكم‏:‏ وأقره عليه الذهبي‏.‏

2866 - ‏(‏ألا أخبركم بأفضل‏)‏ أي بدرجة هي أفضل ‏(‏من درجة الصيام والصلاة والصدقة‏)‏ أي المستمرات أو الكثيرات قالوا‏:‏ أخبرنا به قال‏:‏ ‏(‏إصلاح ذات البين‏)‏ أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم ‏(‏فإن فساد ذات البين هي الحالقة‏)‏ أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر أو المراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب وكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صارت أفضل الصدقات‏.‏

- ‏(‏حم د‏)‏ في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ وصححه الترمذي وقال ابن حجر‏:‏ سنده صحيح وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من هذا الوجه وغيره‏.‏

2867 - ‏(‏ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة‏)‏ قالوا‏:‏ أخبرنا قال‏:‏ ‏(‏النبي في الجنة‏)‏ أي في أعلى درجاتها وأل فيه للجنس أو العهد أو الاستغراق ‏(‏والشهيد‏)‏ أي القتيل في معركة الكفار لإعلاء كلمة اللّه ‏(‏في الجنة والصديق‏)‏ بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الصدق والتصديق للشارع ‏(‏في الجنة والمولود‏)‏ أي الطفل الذي يموت قبل البلوغ ‏(‏في الجنة والرجل‏)‏ ذكره وصف طردي والمراد الإنسان ‏(‏يزور أخاه‏)‏ في الإسلام ‏(‏في ناحية المصر في اللّه‏)‏ أي لا لأجل تأميل ولا مداهنة بل لوجه اللّه تعالى ‏(‏في الجنة‏)‏ ولكونه يحبه لا يحبه إلا للّه وأراد بقوله في ناحية المصر في مكان شاسع عنه والمصر كل كورة يقسم فيها الفيء والصدقات‏.‏ ‏(‏ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة‏)‏ قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏الودود‏)‏ بفتح الواو أي المتحببة إلى زوجها ‏(‏الولود‏)‏ أي الكثيرة الولادة ويعرف في البكر بأقاربها ‏(‏العوود‏)‏ بفتح العين المهملة أي التي تعود على زوجها بالنفع ‏(‏التي إذا ظلمت‏)‏ بالبناء للمفعول يعني ظلمها زوجها بنحو تقصير في إنفاق أو جور في قسم ونحو ذلك ‏(‏قالت‏)‏ مستعطفة له ‏(‏هذه يدي في يدك‏)‏ أي ذاتي في قبضتك ‏(‏لا أذوق غمضاً‏)‏ بالضم أي لا أذوق نوماً يقال أغمضت العين إغماضاً وغمضتها تغمميضاً أطبقت أجفانها ‏(‏حتى ترضى‏)‏ عني فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهنّ فهي خليقة بكونها من أهل الجنة وقلما نرى فيهن من هذه صفاتها فالمرأة الصالحة كالغراب الأعصم‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد طب عن كعب بن عجرة‏)‏ قال الطبراني‏:‏ ولا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي‏:‏ فيه السري بن إسماعيل وهو متروك اهـ وفيه سعيد بن خيثم قال ‏[‏ص 107‏]‏ الذهبي‏:‏ قال الأزدي منكر الحديث والسري بن إسماعيل قال الذهبي‏:‏ قال يحيى القطان استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي‏:‏ متروك ورواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس وقال إسناده ضعيف بمرة‏.‏

2868 - ‏(‏ألا أخبركم بأفضل الملائكة‏)‏ قالوا‏:‏ أخبرنا قال‏:‏ ‏(‏جبريل‏)‏ نص صريح بأفضليته على الكل لكن تردد المصنف بينه وبين إسرافيل وقال‏:‏ لم أقف على نقل أيهما أفضل والآثار فيهما متعارضة اهـ وكلامه صريح كما ترى في أنه لم يقف في ذلك على شيء وقد صرح بذلك الإمام الرازي وغيره قال المصنف في المطالب العالية‏:‏ اعلم أن اللّه سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم أما الأصناف فأعلاهم درجة حملة العرش، المرتبة الثانية الحافون حول العرش، الثالثة أكابر الملائكة منهم جبريل عليه السلام وصفاته في القرآن كثيرة وقدَّمه في الذكر على ميكائيل وذلك يدل أفضليته لأن جبريل صاحب الوحي والعلم وميكائيل صاحب الأرزاق والخيرات النفسانية أفضل من الخيرات الجسمانية ولأنه جعل جبريل ثاني نفسه فقال‏:‏ ‏{‏وجبريل وصالح المؤمنين‏}‏ وسماه روح القدس ولأنه ينصر أولياءه ويقهر أعداءه ولأنه مدحه بصفات ست ‏{‏إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين‏}‏ ومن أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل عليهما السلام والأخبار كثيرة دلت عليهما وثبت أن عزرائيل عليه السلام ملك الموت ويجب أن يكون له شعب وأما إسرافيل عليه السلام فدلت الأخبار أنه صاحب الصور، الرابعة ملائكة الجنة والنار، الخامسة الموكلون ببني آدم، السادسة الموكلون بأطراف العالم‏.‏ إلى هنا كلامه‏.‏ وذكر في تفسيره الكبير أن أشرف الملائكة جبريل وميكائيل عليهما السلام لتخصيصهما بالذكر في قوله ‏{‏من كان عدواً للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال‏}‏ وأن جبريل أفضل من ميكائيل واحتج عليه بما تقدم وظاهر كلام الزمخشري أن جبريل عليه السلام أفضل مطلقاً ‏(‏وأفضل النبيين آدم‏)‏ عليه السلام، قاله قبل علمه بأفضلية أولي العزم عليه كذا قيل ويحتاج لثبوت هذه القبلية ‏(‏وأفضل الأيام يوم الجمعة‏)‏ لما سبق له من الفضائل ‏(‏وأفضل الشهور شهر رمضان‏)‏ الذي أنزل فيه القرآن والذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار إلى غير ذلك من فضائله التي يضيق عنها نطاق الحصر ‏(‏وأفضل الليالي ليلة القدر‏)‏ التي هي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم ‏(‏وأفضل النساء مريم بنت عمران‏)‏ الصديقة الكبرى ثم فاطمة فهي أفضل النساء بعدها قال العلقمي‏:‏ هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين اهـ‏.‏ وإطلاقه ذلك غير مرضي بل ينبغي أن يقال إنها أفضل من حيث البضعة الشريفة والصدّيق أفضل بل وبقية الخلفاء الأربعة من حيث المعرفة وجموم العلوم ورفع منار الإسلام وبسط ماله من الأحكام على البسيطة كما يدل على ذلك بل يصرح به كلام التفتازاني في المقاصد حيث قال بعد ما قرر أن أفضل الأمّة بعد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الأربعة ورتبهم على ترتيب الخلافة ما نصه وأما بعدهم فقد ثبت أن فاطمة سيدة نساء العالمين‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه نافع بن هرمز وأبو هرمز وهو ضعيف وقال في موضع آخر متروك‏.‏

2869 - ‏(‏ألا أدلك‏)‏ بكسر الكاف بضبط المصنف خطاباً لمؤنث وهي الشفاء لكن ما ذكرته في سبب الحديث لا يلائمه ‏(‏على جهاد لا شوكة فيه‏)‏ قال‏:‏ بلى قال‏:‏ ‏(‏حج البيت‏)‏ أي الكعبة يعني إتيانها للنسك فإنه جهاد للشياطين أو المراد أن ثواب الحج يعدل ثواب الغزو مع أن ذاك فيه مشقة وهذا لا مشقة فيه‏.‏

- ‏(‏طب عن الشفاء‏)‏ جدة عثمان بن سليم أم أبيه قالت‏:‏ جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ أريد الجهاد في سبيل اللّه فذكره قال الهيثمي‏:‏ فيه الوليد بن ‏[‏ص 108‏]‏ أبي ثور وضعفه أبو زرعة وجمع، وزكاه شريك‏.‏

2870 - ‏(‏ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ قوله من تحت العرش صفة كلمة ويجوز كون من ابتدائية أي ناشئة من تحت العرش وبيانية أي كائنة من تحت العرش ومستقرة فيه ومن الثانية بيانية وإذا قيل بأن الجنة تحت العرش والعرش سقفها جاز كون من كنز الجنة بدلاً من تحت العرش قال‏:‏ وليس ذا التركيب باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز بل من إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز نوعان‏:‏ المتعارف وهو المال الكثير المحفوظ، وغيره وهو هذه الكلمة الجامعة ‏(‏تقول لا حول ولا قوة إلا باللّه‏)‏ أي أجرها مدخر لقائلها كالكنز وثوابها معدٌّ له ‏(‏فيقول اللّه أسلم عبدي واستسلم‏)‏ أي فوّض أمر الكائنات إلى اللّه وانقاد بنفسه للّه مخلصاً فإن لا حول دل على نفي التدبير للكائنات وإثباته للّه والعرش منصة التدبير ‏{‏ثم استوى على العرش يدبر الأمر‏}‏ فقوله اللّه جزاء شرط محذوف أي إذا قال العبد هذه الكلمة يقول اللّه ذلك‏.‏